فارق 100 عام وقتلت 50 مليونا| ماذا تخبرنا «الإنفلونزا الأسبانية» عن خطورة «كورونا»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

 

- الإنفلونزا الأسبانية حصدت من 50-100 مليونا حول العالم.. والشباب أكثر ضحاياها

- اجتاجت أوروبا أثناء الحرب العالمية.. وتتشابه في أعراضها مع فيروس كورونا

- «عنتر»: سقط ضحيتها الشباب لأنهم وقود الحرب.. ولم تمتد لبلداننا لهذه الأسباب

- «فرج»: احتمال بأن درجة الحرارة والجينات ونوع الفيروس والتطعيم.. سبب عدم تفشي كورونا

- استشاري بمستشفى إمبابة: تعامل مصر مع أزمة كورونا يفوق أوروبا وأمريكا

- طبيب بمستشفى المطرية: تجارب لعلاج جديد بحقن المصابين بـ«بلازما» المتعافون

 

قبل نحو مئة عام؛ ضرب فيروس «الإنفلونزا الأسبانية» العالم، مجتاحا أوروبا بشكل كبير، ليصيب نحو 500 مليون شخص، أو ما يعادل ثلث سكان الكرة الأرضية آنذاك، مخلفا ضحايا تراوحت أعدادهم من 50 إلى 100 مليون حول العالم.

لكن ما أوجه الشبه والاختلاف بين وباء الإنفلونزا الأسبانية وجائحة كورونا؟ وهل سيواجه العالم نفس مصير الإنفلونزا الأسبانية؟ ولماذا لم يضرب كورونا العالم بنفس معدل انتشار الإنفلونزا الأسبانية في الأيام الأولى؟ ولماذا بات كورونا أكثر شراسة في أوروبا وأمريكا مقارنة بالبلدان العربية؟ وما مستقبل انتشار كورونا مع حلول شهر أبريل وبداية ارتفاع درجات الحرارة في مصر؟.. أسئلة تطول إجاباتها مثيرة؛ تناقشها «بوابة أخبار اليوم» مع الخبراء في السطور التالية.

الحرب العالمية  

ويقول مؤرخون إن الفيروس انتشر أولا عام 1918، في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، التي اعتبروا أنها مسؤولة بصورة جزئية عن تفشي المرض، رغم أن البعض ربطه مؤخرا بالصين.

ويضيفون أن الجنود على الجبهة الغربية للحرب، كانوا يعيشيون في خنادق ضيقة وقذرة ورطبة، مما أدى إلى إصابة عدد منهم.

وبسبب سوء التغذية، ضعف الجهاز المناعي لهؤلاء، الأمر الذي جعلهم عرضة لفيروس الإنفلونزا الإسبانية، ومن خندق إلى آخر انتشرت الإنفلونزا، حتى خرجت من النطاق العسكري لتصيب المدنيين، خاصة عندما بدأ الجنود في العودة إلى منازلهم مع توقف القتال، ليتفشى الفيروس في قراهم ومدنهم.

الشباب أكثر ضحاياها

ويتفق المؤرخون على أن الإنفلونزا الإسبانية لم تفرق بين البشر، إذ أصابت الكبار والشباب والمرضى والأصحاء، وكانت شديدة للغاية على الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20-30 عاما، الذين كانوا أصحاء قبل الوباء.

وعلى الرغم من أن هذا الوباء حمل اسم "الإنفلونزا الإسبانية"، فإنه من المرجح أنها بدأت في مكان آخر غير إسبانيا، وربطها البعض بالصين.

إسبانيا والرقابة العسكرية

وكانت إسبانيا من أول الدول التي تم فيها تسجيل وفيات بالفيروس، لكن مؤرخين يعتبرون أن الأمر يعود إلى الرقابة العسكرية المفروضة في البلدان الأخرى. وأشاروا إلى أن مدريد كانت محايدة أثناء الحرب ولم تفرض رقابة على صحافتها، لذا ساد الاعتقاد بأنها "الأنفلونزا الإسبانية".

100 ألفا في أسبوعين

وبدأ الأمر ببرقية إخبارية وصلت إلى وكالة "رويترز" في ربيع 1918، بشأن تفشي مرض غريب ذي طابع وبائي في مدريد، وفي غضون أسبوعين أصيب أكثر من 100 ألف شخص، مما يعني أنها أقوى من فيروس كورونا الذي استغرق شهرين ونصف الشهر حتى وصل إلى هذا الرقم.

وانهارت الخدمات الطبية في البلاد، ودول مجاورة بعدما عجز المستشفيات عن مواكبة العدد المتزايد من المرضى.

اجتياح أوروبا

وفي صيف 1918، كانت الإنفلونزا الإسبانية قد اجتاحت العديد من الدول في القارة الأوروبية، مثل بريطانيا وفرنسا وهنغاريا وألمانيا والنمسا.

وفي أغسطس من العام ذاته، أصبح الوباء جائحة، ووصل إلى السويد وكندا والولايات المتحدة وجنوب إفريقيا.

تشابه الإجراءات الاحترازية

ووجهت نصائح حينها من أجل تلافي الإصابة مثل الامتناع عن المصافحة وملازم المنازل وارتداء الأقنعة، في سيناريو تكرر بعد 100 عام في فيروس كورونا حاليا.

تشابه الأعراض

وكانت أبرز أعراض الإنفلونزا الإسبانية على النحو التالي: في اليوم الأول، صداع رهيب في الرأس، وإعياء في الجسد، ثم سعال جاف وفقدان الشهية، وآلام في المعدة.

وفي اليوم الثاني، يغرق المصاب بالعرق الذي يفرزه جسده، وتطورت بعض الحالات إلى التهاب رئوي حاد وفشل في الجهاز التنفسي، ويعتبر مؤرخون أن هذين الأمرين المسببين للوفاة.

اجتياح كورونا و«الإنفلونزا» أوروبا

في البداية يقول الدكتور سمير عنتر، استشاري أمراض الحميات والكبد بمستفى إمبابة، إن الإنفلونزا الأسبانية حصدت نحو 50 مليونا على الأقل وكانت بؤرة في أوروبا التي ظهرت فيها، ولم تمتد لكل العالم نتيجة غياب وسائل المواصلات الموجودة حاليا مثل الطائرات وإلغاء الحدود وغيرها وكذلك المنطقة العربية كانت عبارة عن جزر منعزلة عن بعضها، أما الكورونا انتقلت من مكان لمكان بسبب سرعة التواصل بين الدول وخاصة في دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية فضلا عن عدم التعامل مع المرض من البداية على محمل الجد هناك.

وأضاف د. «عنتر»، أن أغلب وفيات الإنفلونزا الأسبانية كانت من الشباب لأنهم كانوا وقود الحرب وقتها وكانت أوروبا وقتها قارة شابة أما حاليا هي قارة عجوز فأغلب سكانها من كبار السن بسبب ارتفاع الرعاية الصحية وغيرها.

تعامل مصر مع الوباء

وأشار إلى أن فيروس كورونا يمثل خطورة على كبار السن لأنهم الفئات الأضعف، لافتا إلى أن انتشار كورونا في أوروبا شرس مقارنة بمصر؛ لأن أوروبا تنبهت للمرض متأخرة أما مصر تنبهت مبكرا جدا، والحكومة ترقبت المرض عند ظهوره في الصين واستعدت بمستشفى للحجر الصحي في منطقة نائية بمطروح وأعدت الكوادر والأطباء وأجهزة التنفس الصناعي وحزمة قرارات من إلاق الموانئ والمطارات وفرض حظر التجول.

ولفت استشاري أمراض الحميات والكبد بمستفى إمبابة، إلى أنه فور ظهور حالات في مصر تم عزلهم وتعافوا وهذا نتيجة الجهد الاستباقي، مضيفا أن انتشار الفيروس أقل في مصر نتيجة تطبيق إجراءات الحجر الصحي على جميع القادمين من الخارج، لافتا إلى أن الله حفظ مصر منذ البداية.

ونوه على أن اختلاف درجات الحرارة بين مصر وأوروبا ليس السبب في تفاوت عدد الإصابات، لأن درجة الحرارة في شمال أوروبا مثل جنوبها، ولكن هنا نعول عليه في الأيام المقبلة أن يحد من انتشار الفيروس في مصر وهذه ليست قاعدة أو صفة للفيروس يمكن الحكم عليها.

واختتم د. سمير عنتر، حديثه بأنه لو مر الأسبوعين القادمين دون تزايد في الإصابات والوفيات تكون مصر قد عبرت المحنة، أما لو تزايدت الإصابات بشكل كبير سندخل في سيناريو آخر.

كورونا وارتفاع الحرارة

من جانبه، يقول الدكتور عمرو فرج، طبيب الأمراض الجلدية بمستشفى المطرية التعليمي، إنه من المتوقع مع ارتفاع درجات الحرارة في شهر أبريل أن تنكسر موجة انتشاره، وخاصة مع صعود درجات الحرارة لـ30 درجة لمدة أسبوعية، لكن هذا مجرد توقعات وليس أمرا مؤكدا، مشيرا إلى أن مستويات الإصابة لازالت آمنة في مصر.

الإنفلونزا الأسبانية وكورونا  

وتابع د. «فرج»، حديثه لـ«بوابة أخبار اليوم»، أنه لا يرى فرق بين الأنفلونزا الأسبانية وفيروس كورونا من حيث تشابه الوبائين في الأعراض ومعدلات الانتشار السريعة في العالم وارتفاع أعداد الوفيات، منوها على أن الاختلاف في الفارق الزمني فحين ظهرت الإنفلونزا الأسبانية كانت في فترة وظروف ساعدت على أن يكون الفيروس فتاك لهذه الدرجة خاصة في ظل الحرب العالمية وازدحام المعسكرات ولا يوجد رفاهية العزل أو الحجر الصحي أو إغلاق الحدود، لافتا إلى أن ثقافة الوقاية باتباع الإجراءات الإحترازية كالتعقيم والتطهير وارتداء الكمامات لم تكن موجودة قبل ذلك.

وأشار الطبيب بمستشفى المطرية التعليمي، إلى أن وقت الإنفلونزا الإسبانية لم يكن هناك مضادات حيوية لعلاج الإلتهاب البكتيري الثانوي الناتج عن الإصابة بالفيروس، وكذلك الرعاية الطبية وقتها لم تكن بالقدر الكاف من أجهزة التنفس الصناعي والعناية المركزة والمضادات الحيوية ومضادات الفيروسات وأمصال ولقاحات وعدد الأطقم الطبية، ولو كان كورونا بديلا للإنفلونزا الأسبانية في ذلك الوقت لنتج عنه نفس القدر من الوفيات.

 وواصل حديثه، قائلا: «ما ساعد على حصار كورونا وعدم انتشاره بنفس قدر الإنفلونزا الإسبانية هو إغلاق المطارات ومنع السفر وتطبيق إجراءات العزل والحجر الصحي ووجود وسائل الإعلام واسعة الانتشار التي تقوم بتوعية الناس في وقت قصير، ولابد من الأخذ في الاعتبار أن وباء كورونا لم ينتهي بعد فلا يمكن الحكم مبكرا على معدلات انتشاره».

كورونا والمناطق الحارة

وذكر د. عمرو فرج، أنه لا يوجد أسباب واضحة حتى الآن لعدم تفشي فيروس كورونا في مصر والبلدان العربية والإفريقية بنفس قدر انتشاره في أوروبا، فالبعض قال بأن الدول التي تطبق تطعيم إجباري لـbcg منذ الصغر هي التي نتجت من تفشي الفيروس بعكس دول أوروبية لا تفرض هذه التطعيمات، ولكن هذا غير مؤكد علميا حتى الآن خاصة أنه انتشر في إيران وهي تطبق نظام التطعيم الإجباري، والبعض قال أن طبيعة الأماكن الحارة مثل شبه الجزيرة العربية وأفريقيا هي سبب عدم نشاطه الكبير، كما أنه غير مثبت حتى الآن أن فيروس كورونا يؤثر على تركيبات جينية معينة عكس أخرى، أي أنه يؤثر على الجينات الأوربية بخلاف الإفريقية، وكلها مجرد احتمالات وليست مثبتة حتى الآن.

وأضاف أن هناك أكثر من نوع لفيروس كورونا، والبعض يشير إلى أن نوع فيروس كورونا في أوروبا أكثر فتكا عكس الأنواع في بلداننا، ونوع الفيروس في إنجلترا كان ضعيف حتى أن أحد المشاهير أكد أنه لا فرق بينه وبين نزلة البرد العادية، في حين أن أحد الناجين المشاهير في إيطاليا ذكر أن الفيروس عنيف جدا، وهذا متوقع لأن الفيروس يتكاثر وتحدث له طفرات.

الجهاز المناعي للشباب

واستطرد الطبيب بمستشفى المطرية التعليمي، أن الإنفلونزا الأسبانية كانت تصيب الشباب بدرجة كبيرة، وانتشر أيضا في الفئات العمرية الآخرى ولكن بنسب ضعيفة وكان يُشاع أن كبار السن اكتسبوا مناعة عبر الزمن من الأمراض، أما فيروس كورونا فلا يصيب الأطفال حتى 9 أو 12 سنة، وخطورته على كبار السن ذوي المناعة الضعيفة والأمراض المزمنة.

ونوه على أن الاستجابة المناعية للشباب تكون عنيفة ضد الفيروس وحتى لو انتصر الجهاز المناعي على المرض تحدث خسائر ومشكلات في الجسم، أما في حالة كبار السن فالاستجابة المناعية تكون ضعيفة فالفيروس يتمكن من الجسم بدرجة كبيرة.

علاج مرتقب

وأوضح د. عمرو فرج، أنه تجري تجارب على علاج جديد لفيروس كورونا بأن يتم أخذ بلازما (جزء من الدم) من متعافين كورونا أي الذين أصيبوا بالفعل وتعافوا، ويتم حقن مرضى كورونا به، وتم عمل هذه التجربة على 5 مرضى في الصين منهم 3 تعافوا و2 حالتهم مستقرة، والفكرة في هذا العلاج أن المتعافين يكون لديهم أجسام مضادة للفيروس.